29‏/03‏/2012

الواقع الزراعي في العراق والحاجة الى قوانين فاعلة



   دراسة مقدمة من  د.وليد جاسم الزبيدي/  رئيس لجنة الزراعة في مجلس قضاء المحاويل
                                    
   لقد ارتبطت معظم القوانين والتعديلات والتعليمات والقرارات الصادرة عبر العقود المنصرمة بالنظام السياسي، وقد جاءت معبّرةً عن نظرة وأفكار وعقلية وأهداف الماسكين بخيوط السلطة. ولم تأتِ تلبيةً لحاجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمرحلة التي سُنّ فيها القانون أو القرار.
- مشكلة البحث:
  لذلك ظلّت معظم القوانين قاصرةً وناقصةً وتتكئ على عكاز ضعيف سرعان ما ينكسر فتتهاوى وتنفرطُ حبّات ومواد البرامج التي طُرحت، بل وأن كلّ أمةٍ تأتي تلعنُ التي سبقتها، فالذي يأتي ينفي ويلغي ما جاء به منْ سبقه،وتظل البدايات دائما من الصفر فلم تتراكم القوانين والقرارات لتكون دليلاً معرفياً وقاعدةً لبناءٍ جديد.
وهكذا أفرزت لنا الحكومات السابقة قوانين وقرارات عديدة، عبّرت عن أفكار وأهداف النظام السياسي، وكأنها بيانات سياسية طُرحت لكسب الجماهير وامتصاص النقمة أو الزخم الثوري، أو أنها صيغت لمغازلة طبقة أو شريحة دون أخرى أو قطاع دون آخر. فنقرأ القانون رقم(30) لسنة 1959، والقانون رقم 117 لسنة 1970م، ثم القانون رقم 115 لسنة 1982، والقانون رقم 35 لسنة 1983، والقرار رقم 364 لسنة 1990 والقرار 367 لسنة 1990 والقرار رقم 350 لسنة 1985... وقد ظلّ الجهاز الإداري والفني قالباً راكدا متحجراً لا يقبل التغيير أو الحركة ليبقى حال الأرض والواقع الزراعي على ماهو عليه خوفا من تطوّر يقض مضجع هذا الجهاز (البيروقراطي) المحافظ والمنتفع من سياسة (إبقاء الحال على ما هو عليه).
- أنموذج القطاع الزراعي:
    فالأنظمةُ والحكومات السابقة درّبت وأسست القطاع الزراعي أنموذجا تبعياً و(غيريأ) يعتمدُ في كل مؤسساته وعملياته على القطاع العام،من أصغر عملية زراعية حتى مواسم النضج والإنتاج والتسويق، فالمكننة والمخازن والتصنيع التكميلي،للدولة ، والبذور والمستلزمات للدولة أيضا، فلم يمتلك الفلاح سوى عمله والأيدي العاملة معه من أفراد أسرته، لم يمتلك وسيلة الإنتاج بل وحتى في بعض الأحيان تجد الاقطاع لم يمتلكها هو أيضا. ونجد أن نظام الاقطاع هو الآخر متخلفاً يعتمد الصيغ والنظم البدائية المتدنية والتي لا تتوائم مع المستوى الاجتماعي والمعيشي للمجتمع الفلاحي(مجتمع القرية)، فلم يمتلك وسائل الانتاج المتطورة ولم تكن لديه النظرة الواعية نحو مستقبل ينهض فيه هذا القطاع من سبات طويل، وعدم الايمان بالتقدم وفتح آفاق ونوافذ لربط كل جديد بالحاجة الموضوعية للفلاحة والتعلم والانفتاح على تجارب وخبرات الآخرين.
-  التغيير هو المطلوب وهو الهدف:
   وبعد التغييرات التي حدثت في بلادنا بعد 2003 لابدّ لرجال التخطيط والجهات المعنية أن تسن قوانين وتشرّع قرارات تساعد على تطوير القطاع الزراعي وتعيد التوازن في ملكية الأرض وأدوات ووسائل الإنتاج وتنظم العلاقات الاقتصادية وادارة الحقل والمزرعة بما يضمن حالة تتناسب مع واقع أرض الرافدين وخصوبة البلاد ووفرة اليد العاملة وفق أسس علمية وتقنات حديثة .
 أولاً-واقع الأراضي الزراعية:
      تنقسم الأراضي العراقية بصورة عامة وفي أغلب المناطق على قسمين:
آ/ الملكيات الخاصة: وهي بكل ماتحمله من تسميات ومثقلات قانونية وشرعية(المثقلة بحقوق التصرف، ملك صرف، أميرية، مفوضة بالطابو، مملوكة للدولة...الخ) وفيها مشاكل عسيرة لم تضع لها القوانين والتعليمات حلولاً بل تزداد تعقيداتها جيلا بعد جيل، وأنك لتجد في دوائر التسجيل العقاري لازالت الكثير من المقاطعات والقطع تحمل أسماء لأصحاب علاقة منذ العهد العثماني بل وقبله ومن غير العراقيين، لاتستطيع الدولة بكل أجهزتها أن تتجاوز تلك العقبة في حال تغيير صنف الأرض أو نقل حقوق أو تخصيصها لمشروع معين، ولازالت قرارات وتعليمات تثبيت العلاقة الزراعية للفلاحين مع الملاّكين الكبار تكبّل الفلاّح والعملية الزراعية وتجعلها رهينة الاجتهاد في التفسير أو حبيسة الحلقات الروتينية الزائدة. وأن هذه المشاكل تحتاج الى سن قوانين وقرارات لتنظيم العلاقات الزراعية  بين الملاّك والفلاّح من جهة وعلاقة الملاّك بالأرض ووسائل الانتاج من جهة أخرى.كما وأن الأرض المشاع ضمن الملكيات الخاصة حيث نجد في قطعة واحدة أكثر من 100 مئة فلاّح وصاحب حق تصرف مما تسبب العديد من الاشكالات القانونية وتقييد صاحب حق التصرف في عدم امكانيته انشاء مشروع أو تحويل ملكية إلا بموافقة جميع الشركاء أو 50% في بعض المشاريع أو المعاملات.
ب/ أراضي الاصلاح الزراعي:
   لا تزال أراضي الاصلاح الزراعي تنحصر علاقاتها وتنضبط وفق قوانين الاصلاح الزراعي النافذة وهي :
1-القانون 117 لسنة 1970م: وهذا القانون بقع في شطرين الأول الأراضي الموزّعة وفق وحدة التوزيع لكل مقاطعة حسب إجمالي المساحة المستولى عليها وفق قرارات الاستيلاء النافذة، وفي هذا القانون شرخ كبير ومشكلة بدأت تتفاقم لدى العاملين في القطاع الزراعي ولدى الوحدات الإدارية التي تحكم وتقاضي في العلاقات الزراعية ولدى دوائر ومؤسسات القضاء ، حيث أن التوزيع وفق القانون 117 لم يكن مؤشرا على الخرائط ولم تكن هناك مرتسمات لكل وحدة توزيع تثبت أحقية وحقوق الفلاح الموزع عليه وحدود أرضه . حيث أن الجهة المشرفة على توزيع الأراضي في وقتها كانت جهة شبه رسمية وغير فنية ولا تمتلك الكفاءة في تثبيت تلك الاستحقاقات فظلت حقوق الفلاحين مهددة وبيد ممثلي تلك الجهات التي وزعت وبيدها تفتي وتقرر بصفتها الشاهد على التوزيع دون أي دليل رسمي أو فني. وبذلك ظل العاملون في دوائر الزراعة والقطاع الزراعي يعانون والى يومنا هذا من مساوئ وسلبيات التوزيع.
    أما الشطر الثاني فيقع في العقود وفق القانون 117 لسنة 1970م، وهي لم تلتزم بوحدة توزيع ثابتة وهي الأخرى لم توثق بخرائط ومرتسمات لتثبيت حدود كل عقد زراعي. ولقد عملت بعض التعليمات التي أسنّت منذ تسعينات القرن الماضي ولغاية الآن على تصفية هذا القانون وإحالة مساحات واسعة من الأراضي الموزعة والمتعاقد عليها وفق القانون 117 الى القانون 35 والخاص بالتأجير. حيث سنحت بعض الثغرات في التعليمات على بيع العديد من قطع الأراضي الزراعية والمتاجرة بها تحت مظلة التنازل الى الدولة ومن ثم يتم إعلانها وتأجيرها الى الشخص المشتري وهي حالة التفاف لتصفية القانون، مساحات شاسعة بعد التأجير بسبب إضافات لمساحات مجاورة لم تكن ضمن المساحات المتعاقد عليها كونها نفع عام أو مساحات شاغرة أو كانت على شكل تلال وتم تعديلها وتسويتها لتكون ضمن عقود التأجير.
2-القانون 35 لسنة 1983:وفي هذا القانون العديد من الثغرات القانونية والسلبيات التي كتبَ عنها الكثير من المتخصصين ، وأول مثالب هذا القانون أنه لم يحدد سقفاً للمساحة المؤجرة أولاً ولم يحدد زمناً لسريان مفعول القانون أو إعادة النظر فيه أو أي إجراء آخر، فتجاوزت المساحات المؤجرة آلاف الدونمات لعدد محدود من المنتفعين بهذا القانون وبأسعار رمزية جدا لا تتناسب مع عائدات هذه الأراضي. كما استمر هذا القانون الى يومنا هذا دون تعديل فقد استمرت المعاملات العقيمة في تجديد العقود كل خمس سنوات واستمرت أيضا معه عمليات بيع وشراء الأراضي تحت غطاء التنازل للغير وتحت غطاء قانوني بحجج مختلفة (عدم المقدرة المالية وبيانات وتقارير طبية ..الخ.)..كما وأن قانون 35 لا يسمح للمستفيد منه انشاء أي مشروع زراعي (حقل دواجن، مفقس، بحيرة أسماك، مخازن...)، بل حرّم في بداية الأمر غرس النخيل والأشجار ، ثم جاءت بصورة متأخرة امكانية الغرس في محيط الأرض.
   كما شُرّعت تعليمات وقرارات بعد القانون(عسكرت الزراعة) وهو احقية القادة العسكريين في امتلاك وتأجير الأراضي الزراعية (ومنهم حملة الأوسمة والأنواط وغيرها..)،وكذلك المتنفذين في السلطة والعاملين في دوائر ومؤسسات النظام الحزبية..الخ.. مما جعلت الأراضي الخصبة بأيدٍ لم تعرف الزراعة ولم تعرف قيمة الأرض بل خرّبت الأراضي وعبثت بها..ولاتزال العديد من العقود ومن ممتلكات هؤلاء المنتفعين بأسمائهم بالرغم مما جرت على الأرض من عمليات بيع وشراء لأكثر من واحد بعد أحداث التغيير عام 2003م.
3- القرار 350 لسنة 1985م: وهذا القرار خاص بالمتفرغين الزراعيين (خريجي كليات ومعاهد واعدادية الزراعة)، وأصاب هذا الجانب خللاً كبيرا حيث خصل البعض من المتفرغين على أراضي جيدة ولكن الأغلبية منهم لم يحصلوا على أراضي خصبة يمكن أن تقدم ناتجا جيدا أو أن الأرض جيدة الخصوبة ولكن المستفيد منها لم يكن محل أقامته قريب من الأرض فجعلها بيد فلاحين آخرين عمدوا على عدم القيام بالعمليات الزراعية على وجهها الأكمل لجعل المتفرغ الزراعي ينفر من الأرض ويساومه عليه ليكون الفلاح هو صاحبها وكذلك عدم مساعدة المتفرغين في بناء قرى عصرية لهم أو منحهم القروض والمستلزمات لتشجيعهم على الاستمرار في العمل في القطاع الزراعي فالأرض وحدها لا تعني الزراعة دون توافر عوامل الانتاج الأخرى ووسائل الانتاج.
ثانياً: نظام الري:
  لم يكن نظام الرّي في العراق أحسن حالاً من الأراضي الزراعية، فأن التخريب والدمار كان شاملاً، فأن قوانين الري لم يحدث عليها تغيير يتناسب مع واقع الأراضي الزراعية، كما وأن المناسيب ظلّت كما هي وكذلك المنافذ، فالنهر أو الجدول الذي كان يوفر الحصة المائية لمائة فلاح قبل خمسين سنة ظلت نفس المناسيب وذات المنافذ تروي لمساحات عقود ألف فلاح. كما وأن التخريب الذي تعرّضت له السداد والنواظم وكذلك المنافذ والأنابيب التي تم تغيير مواقعها بل مناسيبها كلها أثّرت في نظام الرّي، فضلاً عن عدم وجود خطط وبرامج مستقبلية لإستصلاح الأراضي الزراعية. ان العراق بحاجة الى نظام ري جديد يتناسب مع واقع حال الأراضي وكذلك الكميات المتوفرة من المياه واعادة تصاميم النواظم والسدود والعبارات والمنافذ من جديد.


ثالثاً: النقابات والجمعيات والمؤسسات الفلاحية:
   بعد ألأحداث والتغيير الذي حصل بعد 2003 م لم تصدر تعليمات أو قوانين بشأن النقابات والإتحادات والجمعيات لغرض توجيه عملها بالساحة ولتأخذ دورها في العمل والبناء فبقيت الأنظمة الداخلية وهيكلية تلك النقابات على حالها الأول بل اعتلاها في بعض الأحيان نفس المجموعات السابقة التي لا تريد التغيير يعصف بها وبأساليبها البيروقراطية والنفعية. وضمن هذه النقابات النقابات والجمعيات الخاصة بالفلاحين والمزارعين وقد سمعنا باستحداث اتحاد المزارعين الذي كان له مقر ثم بعد حين لم يأخذ دوره الفعلي بل عمل كجمعية خيرية او استهلاكية حاله حال اتحاد الجمعيات الفلاحية القديم الجديد الذي اتجه نحو تجارة السيارات للفلاحين دون وسائل الانتاج أو المستلزمات الزراعية ، كما وأنه لم يأخذ بشكاوى الفلاحين ولم يفلح بايجاد أي تغيير في سياسة الزراعة أو الاساليب الحديثة في التعامل مع مؤسسات الدولة.كما لم تكن هناك جهة تتحدث أو جهة ناطقة ومدافعة عن شريحة أو طبقة الفلاحين وايصال صوتهم الى الجهات ذات العلاقة بل اتخذت دوائر الزراعة هذا الدور وهذا لا يكفي لكون دوائر الزراعة ملزمة بتنفيذ قرارات وتعليمات الوزارة التي تتقاطع في كثير من الأحيان مع العمل المهني والنقابي.
  وقد تعددت الجهات التي تدّعي انها المتحدث بإسم الفلاحين في الحركات والاحزاب السيلسية والكتل وهذه لم تكن منظمات مهنية بقدر ما كانت تنظيمات سياسية ترتبط بالجهة التي تدعمها.
رابعاً: وصايا ومقترحات:
1-وضع وصياغة قوانين وتعديلات للقوانين السارية المفعول بما تتلائم مع الواقع الزراعي وليس الواقع السياسي.وكذلك تحديد الملكية وتشريع قوانين تضمن حقوق الغير وازالة المشاع وفرز الحصص للملكية وتمكين الفلاح في استثمار ارضه في المشاريع المختلفة ذات الصلة بالواقع الزراعي.
2-وضع جداول زمنية محددة واستقدام شركات أجنبية لغرض وضع الخطط والخرائط لوضع خارطة استصلاح جديدة لكافة الأراضي لما لحقها من الضرر.
3-ادخال المكننة الحديثة ذات المناشيء العالمية وذات الجودة والخبرة العالية والكفاءة وكذلك تقنات الري الحديثة باسعار مدعومة تكفل بأن يكون لكل فلاح جهاز أو أكثر في أرضه، فضلاً عن الآليات الزراعية المختلفة والمضخات والمرشات.
4- إعادة تنظيم الري في العراق واعادة دراسة المناسيب والمنافذ والقناطر والنواظم والسدود وتحديث مايلزم تحديثه وفقا لمتطلبات المنطقة وطبيعة الأرض.
5- حماية الانتاج الزراعي وفرض الرسوم الكمركية على المدخلات والاستيراد للمحاصيل والخضر الزراعية التي تنافس الانتاج الزراعي المحلي وكذلك الصناعات الغذائية التكميلية للقطاع الزراعي.
6- وضع تسعيرة تتناسب مع أسعار السوق المحلي والعالمي للحبوب والمحاصيل والخضر بأنواعها.
7-الالتزام باستلام الحبوب والحاصلات الزراعية ووضع سياسة وخطط لتصريف المنتوج الزراعي في الداخل وكذلك لأغراض التصدير.
8-بناء مخازن ذات كفاءة وجودة عالية ومراكز استلام لمختلف البذور والتقاوي والخضر ..
9- تشجيع القطاع الخاص لتأسيس ورش التصليح لكافة المعدات الزراعية .
10- دعم المصارف الزراعية لإقراض المزارع في المشاريع الانتاجية والاستثمارات الكبيرة ذات الفائدة للقطاع الزراعي، كما هو حاصل الآن في مبادرة السيد رئيس الوزراء في سبيل النهوض بالواقع الزراعي.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية