29‏/03‏/2012

من ذاكــرة المكــان


مقاهـي المحــاويل في منتصف القرن الماضي/ من العام 1940-1970
      من أدبيات المدن، العديد من الكتب المصنّفة، والتي تدرسُ المكان على وجوهٍ مختلفة في الرؤى والتفكير والمنطق . فكل دراسةٍ تعنى بجانب محدّد وتهتم بالمكان حسب رؤية كاتبها وجامع أخبارها ، وبحسب خصوصية المدينة وما تحفل به من نشاط فكري أو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي..وما أنتجته الكتب والدراسات في أدب الرحلات والرّحالة،ومن كتب تراثنا العتيد في معجم البلدان، ورحلات ابن جبير وابن بطوطة، ووصف المدن في كتب المستشرقين،إلى يومنا هذا، حيث المؤلفات المعاصرة في هذا المجال.
    وهكذا فقد سبق للعديد من كبار الكتاب أن أدلوا بدلوهم لمدنهم وأماكن مهمة أخرى..ولا بدّ أن أشير إلى كل من سبقني في هذا المجال في البحث والجهد والإجتهاد في كتابة وتأرخة المدينة(المحاويل) ومنهم الأستاذين الفاضلين صاحب كمر ومحمود عبيد وما فاتني من أسماء سبقت أو تلت، ولم أقرأها أو أجهلها.
  اليوم سأقف عند محطةٍ محدّدة في المدينة(المحاويل) تعني ما تعني للكثيرين من أهلها ومحبّيها، وهذه المحطة هي : المقـــاهـــي:
    بعدما كانت المساجد والبيوتات والمضايف ، مجالس الناس وأماكن الحل والعقد،واتخاذ القرارات الهامة للجماعة، تغيّرت هذه الأماكن وتطوّرت حسب طبيعة المنطقة الاجتماعية والدينية ، مع الأخذ بعين الاعتبار المحدّدات الجغرافية لكل منطقة. فكانت المسامرات، والأحاديث، ووسائل الترفيه وأدواته التي تمارس بشكل وبآخر للترويح بعد يوم عناء طويل من التعب الجسدي والشد النفسي،بل وأن تكون أماكن للبعض للزهو والتبختر أو لإشاعة سطوته وهيبته، وأحياناً أخرى للمحبة والتآلف ولتقوية الآصرة والرابط الاجتماعي.
   فالمحاويل هذه المدينة الزراعية البسيطة المؤتلفة والمتآلفة ،التي جمعت التنوّع العشائري والمذهبي، توحّدت فيها المشاعر الحميمة والتصاهر لكي يغلي هذا المكوّن اللامتجانس في بوتقة المكان لينتج نسيجا اجتماعيا ينسجم وروحية العلاقات السائدة بين الأفراد بالرغم من الاختلاف المذهبي والعقائدي والعشائري والطبقي، لتكون المدينة هي قبيلتهم وعشيرتهم الكبرى.وهكذا وُجدَ المكان الجديد لالتقاء هذا النسيج الاجتماعي، وقد سمّي ( المقهى)، وقد اختلفت طبيعة ونوعية المقهى حسب مكانها وسبب إنشائها ، وصفة وطبقة روّادها، فكانت المقهى الواحدة في المكان الواحد تتطوّر حسب تغيّر الروّاد أو مع تغيّر صاحب المقهى وطريقة إدارته لها، بل ويتغير نوع ما تقدّمه المقهى للزبائن والروّاد من شاي أو حامض أو عصير أو سودة أو ناركيلة..الخ حسب ما تقدّم.وسنقسّم هذه المقاهي حسب مواقعها المكاني والجغرافي ضمن المدينة وفي فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث المحاويل لم تكن إلا عبارة عن منطقة واحدة هي القصبة القديمة وهي حدودها البلدية التي لم تمتدْ أو تتمددْ سوى في شارع حلة بغداد القديم المار بالسوق، ثم طريق بغداد الجديد المار بأطراف المدينة وموقعه الحالي .
أولاً: الصوب الكبير:
      وهو المنطقة التي تمتد من جسر المحاويل (قرب القائممقامية حالياً ) والجسر الواقع على طريق حلة-بغداد الجديد، أي من جدول المحاويل، جنوباً وحتى موقع المستشفى حالياً ،شمالاً.
1-مقهى إبراهيم العسكر:موقعها ضمن ملك كاظم الظاهر في رأس (الدربونة)المحلات المجاورة للحسينية حاليا، طريق حلة-بغداد القديم.مشيدة من الطابوق وجذوع النخيل.يقدّم فيها الشاي. يرتادُها وجهاء البلدة منهم: حمزة حسوني،السيد كامل والسيد يوسف الحديثي، علي الجبر، جاسم العبيس، والسيد حسن محمد حسين مدير متوسطة المحاويل، والسيد المدّعي العام مهدي القريني(من أهالي البصرة).، وقد دامت أكثر من عقدين من الزمان.
2-مقهى رزاق الفرحان:وكان موقعها ضمن ملك الحاج عمران الحسون، عمارة ولده حسن الحاج عمران حالياً، المحل الأخير تقريباً، وهي أيضا على طريق حلة-بغداد القديم ، وكان موقف السيارات المغادرة إلى بغداد قريب من الموقع، وروّاد المقهى من سائقي السيارات والمسافرين.ومساحتها مساحة دكان.وتقدّم الشاي لزبائنها.
3-مقهى محسن الحمد: موقعها مقابلة لمقهى رزاق الفرحان، وهي في الجانب المقابل ضمن أملاك ضمن أملاك الحاج عباس الحمد،وهي عبارة عن مساحة صغيرة لاتستوعب أكثر من 7-8 أشخاص، وتقع بالقرب من موقف سيارات حلة-بغداد ولكون صاحبها كان (دلاّلاً) في الكراج، وكان روّاد المقهى من المسافرين وسائقي السيارات.
4-مقهى عبيس العنيفص: وموقعها ضمن أملاك الحاج محمد الحمزة الطنب،بالقرب من بناية المستوصف القديمة القريبة من حسينية المحاويل حالياً، وهي مكان مقهى( علي الديوان) ذاته وكانت قريبة أيضا من علوة المخضر آنذاك(ليست العلوة الحالية)،وعلى طريق حلة-بغداد القديم (السوق حالياً)،ومشيدة من اللبن والجذوع. ومن روّادها الفلاحين الذين يجلبون الخضر للبلدة.
5-مقهى حسين الكاظم( أبو علي وناصر): موقعها مقابل حسينية المحاويل، وهي ضمن أملاك شقيقه عبد الأمير الكاظم، قرب فرن الصمون الحالي،ومشيدة من الطابوق والجذوع، وفيها أسرّة من الخشب والحصران،  وكان فيـها مذيـاع نوع
 (  فليبس ).
6- مقهى علي الديوان:وهي التي جاءت بعد وفاة صاحب المقهى الأول عبيس العنيفص، وقد شيّدت من الطابوق والشيلمان وكان بجانبها خان لربط حيوانات الفلاحين الذين يزورون المقهى صباحا بعد بيع ما لديهم من الخضر.وعصرا وليلاً من روادها طلبة المتوسطة والإعدادية والكليات.
7- مقهى محمد رشيد الجبر:وهي تقع ضمن أملاك حسن المعيدي وهي مجاورة لمنزله الذي كان يطل على شارع حلة-بغداد القديم ، مقابل مقهى علي الديوان.وكان يرتادها العسكريون وبعض من سائقي السيارات،وعز الدين جميل وحسن المعيدي وفاضل الحمد وعبد الله الحمد، ثم انتقلت ملكية هذه المقهى وتداولت بين سعيد جواد الساير وعلي حسين مكاوي، ومن ثم إلى كريم فاضل الحمد.
8- مقهى عجاج حمزة السلطاني:وهي قرب مقهى حسن المعيدي( مقهى محمد الرشيد)، روادها صباحاً من الفلاحين وعصرا الشباب من أهالي المدينة.
10-مقهى كريم الحمد:وهي تقع ضمن ملك (عطا عبد الواحد)شقيق الدكتور حمزة عبد الواحد، وهي من الطابوق والجذوع في الجانب المقابل لمقهى علي الديوان، وهو أول من وضع التلفاز في المقهى.
11-مقهى مزعل دعيم: موقع مقهاه الأولى ضمن ملك الحاج عمران الحسون أي في جانب عمارة حسين الحاج عمران الحالية وقرب المصوّر بدر.ثم انتقلت المقهى إلى الجانب المقابل مجاور محل (الحاج مهدي العيفان) في رأس الدربونة. وهي مشيدة من الطابوق والجذوع، ومن روّادها:السيد يوسف عبد الرحمن، والسيد كامل الحديثي،وحسن الحمد،وحسن الهربود،وعباس الحمد،وبناي،والحاج عمران الحسون،والحاج جاسم العبيس،وبريسم بجاي، وحمزة الحسين،وعلي العباس،ومغير،وعمران الكيف،وحسين الشمخي، ومجيد الرشيد،والسيد حسن أبو طربيس،وحاجم السلطاني،ومجيد الرشيد، والحاج كميل أبو هات.وكان فيها مذياع ويقدّم فيها فضلاً عن الشاي الكاكاو والقهوة.
12- مقهى حميد الراضي: وموقعها الحالي مقابل جدول المحاويل (المسنّاية)، وهي ضمن أملاك الحاج علوان الطرفة.وقد كانت قبل ذلك تعود إلى السيد هاشم السيد عبد من أهالي خنفارة.لا زالت مستمرة وموجودة. يرتادها عسكريون ومدنيون ومن موظفي الدولة ،وكانت ليلاً تضم النخبة من المثقفين، وفيها لعبة (الدومينو والنرد وأحيانا الشطرنج).وفيها تلفاز ومذياع.ومشيدة من الطابوق والشيلمان.ومن روّادها: كاظم عبد الحمزة بنيان،غازي حسين،لطيف حميد،رزاق الجاسم،رشيد جاسم، عبد الأمير حسن العيد..
13- مقهى رضا وعلي السكران: وقد انتقلت في أماكن عدّة، الأول قرب مقهى حسن المعيدي ، في ملك عطا عبد الواحد، والثاني قرب مقهى حميد الراضي،في أملاك علوان الطرفة، وهي بالقرب من محل القصاب الحالي، يرتادها عامة الناس .وهي مشيدة من الطابوق والشيلمان.ومن روّادها: خالد عبد الكريم نورس، محمد ساهي، رزاق كميل.. وآخرون.
14-مقهى محمود حسون الجواد:وتقع ضمن أملاك حسون الجواد على طريق حلة –بغداد الحالي(الجديد) وقد أنشأت لإنتقال موقف سيارات حلة –بغداد على الجانب الآخر من المدينة، وروّادها سائقو الحافلات والمسافرين والعسكريين.
15-مقهى طالب حسون الجواد:وتقع في الجانب المقابل لمقهى شقيقه محمود (طريق الإياب حلة –بغداد الحالي) وجزء من الجانب المقابل القريب من سكة القطار، وهي عبارة عن بستان، يرتادها طلبة المدارس لغرض الدراسة لتوفر الراحة والهدوء والخدمة الجيدة والموقع المتميز آنذاك.
16-كازينو (أبو ياسين): وهي أول كازينو عصري في المدينة وموقعها أمام معمل الثلج مقابل منطقة الشواكة وعلى الطريق الجديد حلة –بغداد ، ضمن أملاك بيت بهيّة،وهي بطابقين مشيدة من الطابوق والشيلمان، وأكثر روادها من الشباب ومن المسافرين لكون موقعها قريب من موقف السيارات.

ثانياً: مقاهي الصوب الصغير:
وهو الجانب الذي ينحصرُ ما بين جدول المحاويل شمالاً ومقام العلوية هدية بنت الإمام الحسن(ع) جنوباً. ويشتملُ على:
1-مقهى حميد مجيد المحمد:وموقعها في الطرف الثاني من الطريق الفرعي المؤدي سابقاً إلى كراج ناحية الإمام، والطرف المقابل لمطعم السليمانية(حالياً محل بيع الشربت)،وهي ضمن أملاك الحاج مجيد المحمد؛وأكبر مقاهي المحاويل قاطبةً،نظيفة ومهيّأة فيها كافة المستلزمات، من الأشربة المتنوعة الحارة والباردة، كالسيفون، والسودة، والشاي والحامض، فضلاً عن الناركيلة.وهي منظمة في عملها، حيث كان كل عامل له اختصاص في عمله ويعرف دوره في خدمة الزبائن، من الصباح وحتى المساء. فعلى الناركيلة كان المرحوم ياسين المحمد، وساقي الشاي كاظم لفتة حسون وشاطي، وكان العمال يرتدون (الوزرة الحمراء) والطاقية(العرقجين).وفيها تلفاز ومذياع أيام لم يكن التلفاز قد دخل بيوتات المحاويليين.. من روّادها صباحاً؛ شيوخ العشائر منهم جواد العنيفص وحنتوش المحميد، وعمران الديوان، ..وآخرون.ومن روّادها ليلاً فضلاً عن المعلمين والشباب، كبار السن حيث يتنحون جانباً وعلى أسرّةٍ خاصة ليمضوا ليلةً من السمر، وهم: الحاج مجيد المحمد، والحاج رشيد الحسون، والحاج منعم النجم، والحاج سعدون المحمد، وشهيد جاسم.. وآخرون..  
2-مقهى إبراهيم الكسار:وهي مقابل مقهى حميد المجيد (محل مظلوم والمصطفاوي)حالياً مشيدة من الطابوق والشيلمان،وهي ضمن أملاك أسعد قاضي جبران. وكانت هذه المقهى لا تتأخر ليلاً،روّادها صباحاً بعض الفلاحين والمراجعين لدوائر الدولة، وعصراً مجموعة من المعلمين :إسماعيل خليل المحياوي،وعبيد دخيل، وعبد الله حمزة الديكان..وكذلك موظفو الإنعاش الريفي وعبد الكريم نورس لقرب دائرة البريد منها والتي كانت عبارة عن غرفة قرب بناية الناحية سابقاً..وآخرون.
3-مقهى كاظم الجبار: وهي عبارة عن (جرداغ) في بستان العلوية هدية بنت الحسن(ع)، وظلت لفترة قصيرة.
4- مقهى هادي كاظم الظاهر: وموقعها السوق العصري حالياً مقابل بساتين (هدية بنت الحسن) قرب كراج المحاويل الحالي.وكانت قرب الكراج القديم كراج الصباغية- الإمام، وروادها المسافرون وسائقو السيارات. 
5-مقهى خليل العسكر: موقعها على طريق حلة –بغداد الجديد، بناية البلدية حالياً،ومشيدة من الطابوق(اللبن) والجذوع والأخشاب والصفيح.روادها من المسافرين.
6-مقهى كريم لفتة: موقعها على طريق حلة-بغداد الجديد وهي محاذية لسكة القطار، روّادها المسافرون وسائقو السيارات.
7-مقهى كريم الحمد: أو تسمى (مقهى الشيخ): وهي مقابل مقهى كريم لفتة على طريق حلة-بغداد، روّادها المسافرون وسائقو السيارات وعمال سكك الحديد لقرب محطة القطار من موقعها.
لعلّ ما قدّمتُهُ لم يكن وافياً ولا شافياً وفيه من النقص والتقصير بحقوق الكثيرين، فألتمس العذر عمّا أجهلهُ، وما فاتني عرضه ووصفه،فالكلام سجّلتُهُ من وجهاء المدينة وممن عاصر هذه الأماكن وكان جزءاً منها.فالعذر للقارىء ولأهلي في مدينتي، فهي إشارةٌ في نفق طويل، لعلّ الذي يأتي بعدي يدوّنُ ما لم يدوّن ويصحّحُ ما أخطأتُ فيه، ولله الكمال وحده، والحمد لله رب العالمين..
د. وليد الزبيدي-عضو مجلس قضاء المحاويل

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية