29‏/06‏/2012

الخطة الخماسية وإشكالية التنمية

    الخطة الخماسية  وإشكالية التنمية                                                    

وزارة التخطيط  وزارة مهنية لديها القدرة من الخوض بالقضايا المصيرية التي تهم مستقبل البلد والشعب على حد سواء من خلال البرامج التي تخطط لها من اجل النهضة التنموية رغم الصعاب التي تواجهها والتحديات الكثيرة  ,والتي إن حدثت في أي بلد أخر سيصاب بالشلل ,كما حدث في بلدنا في الأعوام الماضية  .
وحينما قررت وزارة التخطيط  الخوض بالخطة الخماسية من عام 2010 إلى 2014  كان قرارا شجاعا منها وتحسب هذه الخطوة للحكومة , لأنه لا يمكن بناء  أي بلد وإنمائه بلا خطة تنموية متوسطة أو طويلة تتضمن التخطيط الإنمائي للموازنة التشغيلية والاستثمارية .
ولهذا وجهت الوزارة لكافة الوزارات والمحافظات والهيئات بانجاز خططها الخمسية وعلى إن تسلمها في منتصف أب ومن المؤمل عرضها على مجلس النواب في شهر تشرين الأول لغرض مصادقتها , واخذ وزير التخطيط يتجول في عموم المحافظات ليحثهم  على انجاز الخطط في الوقت المحدد.
ولغرض إلقاء نظرة للسنوات الستة الماضية من عمر التغيير ومعاملته الحكومات السابقة في مجال النهضة والبناء والعمران وتشكيل المؤسسات لابد إن نعترف إن الحكومات الثلاث عملت جاهدة من اجل إعادة الحياة إلى البلد بعد إن حلت كثير من الهيئات والوزارات إبان التغيير وتعرض الوطن إلى هجمة إرهابية من كل حدب وصوب ولهذا انشغلت الحكومات الماضية في محاربة الإرهاب بكل إشكاله وعناوينه وتشكيل الأجهزة الأمنية وما يتطلبه من توفير العدة والعدد لهذه المؤسسات الأمنية بالإضافة لذلك  سعت إلى انتظام الحياة الوظيفية في دوائر الدولة وإعادة الحياة الاقتصادية للبلد , نعترف جميعا إن التحديات جسام  قد واجهت تلك الحكومات ناهيك عن مشاكل الاحتلال التي عاشها العراقيون في ظل الاحتلال ومازال ,          والقيود التي يشكلها الاحتلال للحكومات من خلال رهن القرار السياسي وحبسه في فلا تره , كل هذا وذاك ساهما بشكل كبيرقي إن تكون  القرارات ارتجالية تصدر لغرض معالجة الأزمات التي تحصل والتي يعاني منا البلد في ظل هذه الظروف.
فالموازنات التي تقر في تلك الحقب  جاءت في معظمها لتعالج المشاكل الأمنية والخدمية والاجتماعية . وبعد إن خفت وطأة الإرهاب في بداية النصف الأول من عام 2008 بدأت الدولة تراجع سياساتها الاقتصادية وتصدر جملة من القوانين في اغلبها محاولات تنظيمية للسياسات الاقتصادية التي تخص الرواتب والخدمات وبناء المؤسسات وإلهيات التي تنظم الدولة أو تبنيها , ووجهت الوزارات بوضع الآليات والقوانين التي تنظم عملها ووضع الموازنات السنوية لأنشطتها بما يتلاءم مع واردات الدولة السنوية , اخذين بنظر الاعتبار الرصيد  الاحتياطي للبنك المركزي, ولهذا عملت الوزارات والمحافظات في ظل موازنة انفجارية أربكت كثير من الوزارات والمحافظات لعدم قدرتها على إدارة هذه الأموال وصرفها في فترة وجيزة لاتتجاوز ثمانية أشهر بدء من شهر نيسان 2008 والتي أطلقت بموجبها وزارة المالية  25% من موازنة الوزارات والمحافظات كدفعة أولى لها فتم إعلان مئات المشاريع الخدمية على حساب الجهاز الإداري والحسابي والرقابي والإشرافي المحدود لهذه الوزارات والذي لم يتم توسيعه وزيادة خبراته فحدثت مشاكل جمة جراء ذلك ومازالت تعاني هذه المؤسسات أنفة الذكر من هذه  المشاكل ومن أهمها :                             إعادة المبالغ غير المصروفة إلى وزارة المالية عقب انتهاء السنة المالية وبقت المشاريع غير المنتهية بلا غطاء مالي , وكذلك سوء التنفيذ للمشاريع لان معظم الشركات ليست لديها الكفاءة المالية والخبرات في مجال البناء والتجهيز وسوء المواد الداخلة في البناء لرداءة المناشيء التي تجهز هذه المواد , والفساد الإداري للجهات الفاحصة والمشرفة على العمل وقلة خبراتهم وعددهم , ولكثرة المشاريع  واتساعها اضطرت هذه المؤسسات إن تعتمد على الخرجين الفنيين ألحديثي التخرج من الجامعات والذين لم تؤهلهم خبرتهم  للإشراف والمتابعة لهذه المشاريع, أضف لذلك إن الموازنة السنوية لا تتيح للمؤسسات من تنفيذ مشاريع حيوية وإستراتيجية لأنها مقيدة بالصرف السنوي ولا يجوز تدوير المبالغ إلى السنة التي تليها , ولهذا جاءت المشاريع في معظمها مشاريع صغيرة وعشوائية ولم تدخل في مجال الرؤية التخطيطية والتنموية للخدمات  , ناهيك الطريقة التي يتم تخصيص المشاريع على أساسها وتكون في معظمها خاضعة للمحاصصة والفئوية والمحسوبية .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا – هل هناك مبرر لهذا الخلل ولهذا الإرباك والفوضى في التعامل مع هذه الموازنة العملاقة للأعوام 2006و2007و2008؟ .
بغض النظر لحالات الفساد الإداري والمالي الذي رافق  التصرف بالأموال , ولضخامة حجم العائدات العراقية والتي لم تدخل للبلد في أي عام من تاريخه في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية ,  ولا أريد ابرر ماحدث من مشاكل بالكيفية التي صرفت فيها هذه الأموال وحالات الهدر التي حصلت , لابد من القول أن أي بلد في العالم يمر بظروف احتلال وفترة انتقالية من وضع سياسي قائم من عقود إلى وضع سياسي جديد – بغض النظر عن ماهيته – قد يعاني ماعاناه العراق بعدم قدرته  على التصرف بالأموال الضخمة التي حصل عليها وقد يعاني من ذات الفوضى والإرباك التي يعاني منها العراق سابقا وحاليا, هذا من جهة ومن جهة أخرى غياب التخطيط التنموي وعدم اكتمال المؤسسات التخطيطية في العراق ساهم بشكل فاعل يهدر جزء كبير من هذه الأموال , بالإضافة لذلك ضعف المؤسسات الرقابية والإشرافية والقضائية والصراعات السياسية والأزمات الأمنية والفساد الإداري والمالي , وضعف القرار السياسي كل تلك الأسباب ساهمت بشكل وبأخر من عرقلة عجلة التنمية في العراق للفترة مابين عام 2003-2009 موضوع بحثتا , ناهيك للإرث والتركة الثقيلة التي تركها النظام السابق من خلال مغامرات الحروب والحصارات والفوضى الاقتصادية آنذاك هي أسباب مضافة لما تقدم .
ونعود إلى موضوع بحثنا حول سعي الحكومة  إلى تطبيق الخطة الخمسية لكافة مؤسسات الدولة من اجل النهوض بالبلد والقفز بخطوات نحو الإمام والتقدم بالمجالات الخدمية كافة والمحاولة الجادة في حل المشاكل التي يعاني منها الشعب والقضاء على البطالة والانتعاش الاقتصادي للمواطن وبناء المؤسسات كما وضعت الحكومة هذه الشعارات حينما سعت إلى وضع الخطة الخمسية , والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة – هل تعاملت المؤسسات من وزارات ومحافظات ودوائر وهيئات ومجالس محلية مع هذه الأهداف بجدية وعلمية تتوازى مع ما سعت الدولة  إليه؟
إن وضع الخطط الطويلة أو المتوسطة أو القصيرة الأمد لابد أن تخضع إلى جملة من المعايير -  أولها ماهي العائدات المتوقعة خلال الخمس سنوات القادمة والتي يتم على أساسها  بناء الخطط ؟.
وثانيهما هل الخطط تتضمن تخطيطا إنمائيا أم مرحليا لمعاجلة مشاكل وأزمات راهنة وإقرار المشاريع الخدمية لذلك , واستحداث الوظائف لتخفيف حدة البطالة  وتقديم المعونات الاجتماعية والسعي للعمل على جاهزية المؤسسات الأمنية ؟.
وثالثهما ماهي المعايير والأسس التي يتم على ضوئها يتم  توزيع الأموال على الوزارات والمحافظات والهيئات ؟.
والأمر الرابع هل تتضمن الخطط معايير التنمية الشاملة من ( تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية وخدمية وصحية وأمنية وسياسية  )؟.
والأمر الخامس هل تؤخذ الخطط بمعدلات النمو السكاني والتي على أساسها تتوزع الخدمات وتحدث تصاميم المدن وتطور المؤسسات وتحتسب الوظائف ؟
معظم المؤسسات وضعت خططها لم تدرك الموازنة المتوقعة التي ستحصل عليها خلال السنوات الخمس القادمة وليس لديها مؤشرات لعائدات النفط للبلد وحجم الموازنة المتوقعة وخاصة إن كل بلدان العالم لا تعرف المسار الحقيقي والتنبؤي للاقتصاد العالمي ومعدلات أسعار الطاقة والمعادن والعقارات والصناعات والزراعة , والمسارات الاقتصادية والتي تخصنا حجم واردات العراق من صادراته وسعر صرف الدينار والاحتياطي النقدي للبنك المركزي العراقي والمشاكل الأمنية وأزمة المياه والطاقة وغيرها من المسارات التي ترافق التنمية في العراق , ولهذا قدمت الوزارات والمحافظات والدوائر خططها الخمسية على أساس الحاجات الضرورية من الخدمات البسيطة من خلال المشاريع التي خصصت لهذا العرض وحددت أولوياتها من هذه المشاريع البسيطة دون النظر والتفكير بعناصر التنمية التي ذكرناها  آنفا أو حجم الموازنة التي ستحصل عليها ( والتي لاتزيد أكثر من 43 مليار دولار كما هو متوقع إذا كان معدل سعر البرميل 60 دولار), وكثير من الوزارات والدوائر والهيئات بالغت بحجم المشاريع المخصصة والتي تحتاج أكثر من خمسة عشر عاما لتنفيذها إذا ما بقيت أسعار النفط على هذه الأسعار المتدنية مابين  40الى 70دولار ودون تعرض البلد إلى أزمات أمنية واقتصادية وسياسية .
وللأسف لم تعطي وزارة التخطيط الوقت الكافي للمؤسسات إن تخطط بشكل سليم للخطة الخمسية ولم توفر الكوادر المتخصصة لهذا الغرض ولم تدرب أقسام التخطيط في هذه المؤسسات على الأساليب الحديثة للتخطيط ولم تشر إلى معايير التنمية المتوقعة ولم تتم مراجعة جادة بالكيفية التي صرفت فيها الأموال بالأعوام الماضية أو مراجعة المشاريع المنفذة سابقا , بالإضافة لكل هذا لم  توضع إستراتيجية وإطار للتخطيط بل اكتفت هذه المؤسسات بدرج مشاريع خدمية دون التفكير بتوفر الأموال وصيانة المشاريع وتوظيف الكوادر التي تدير هذه المشاريع بعد انجازها وهل تتوفر الأموال لهذه الوظائف الجديدة وهل تم التنسيق مع الوزارات على توفير الدرجات الوظيفية هذه ,اعتقد لم يؤخذ بنظر الاعتبار هذه المعايير عندما وضعت الخطة الخمسية  كما اطلعت على البعض منها .
إن الموازنة الاتحادية المتوقعة كما ذكرنا آنفا والتي يبلغ مقدارها 43مليار دولار سنويا لا اعتقد ستحقق نموا يذكر في كافة المجالات إذ  ستسخر كامل الموازنة لدفع الرواتب وبدلات مفردات البطاقة التموينية , وإذا  ماعلمنا إن معدل النمو الاقتصادي والخدمي وغيره خلال الأعوام من 2006الى 2009 لايتجاوز0,444% تقريبا محسوبا بعدد المشاريع الخدمية المختلفة بالسنة مقسم على عدد السكان ومقسم على ستة أنواع من التنمية ( الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدمية والثقافية والسياسية ) وهذا المعدل لايختلف كثيرا عن معدلات النمو في بلدان العالم الثالث ومنها الدول العربية الفقيرة وهذا النمو غير محسوس للفرد العراقي بسبب الانهيار الواضح بالخدمات والاقتصاد والمؤسسات المختلفة لتوقف عجلة التنمية من منتصف الثمانينات ولحد هذا الوقت لوضع العراق  الاستثنائي .
كل هذه الأمور وتلك يتطلب من الدولة  وضع الخطط  القصيرة والمتوسطة والطويلة لمعالجة هذه الأزمات وتراجع معدلات النمو الشاملة من خلال مايلي :
-         التسريع بإجراء  التعداد العام للسكان
-         إجراء مراجعة إصلاحية للعملية السياسية الجارية بالعراق
-         تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة
-         استحداث تشريعات جديدة ومعالجة القديم منها المعرقلة للتنمية وبناء المؤسسات المختلفة
-         تطويع قانون الاستثمار لكي يكون في خدمة التنمية الشاملة
-         وضع حد لتهريب  العملة الصعبة المهربة للخارج والتي تهدر  من خلال  استيراد مختلف السلع الاستهلاكية  بشكل عشوائي غير مدروس ومعظمها استهلاكي كمالي ومن منا شيء رديئة لاتخضع لشروط السيطرة النوعية
-         فرض ضرائب ورسوم على مختلف البضائع الواردة للبلد والخارجة منه بنسب معقولة مشابهة للضرائب والرسوم  في البلدان المجاورة
-         تخفيض الرواتب للدرجات الخاصة والمسؤلين  بما لايقل عن70% من معدلاتها الحالية
-         وضع خطة تنموية تقشفية للنفقات العامة
-         وضع العلاجات السريعة لازمة الزراعة والصناعة في العراق
-         إيقاف  مشروع الإعانات الاجتماعية لشبكة الحماية والاستعانة عنها بفتح مشاريع اقتصادية لتشغل اكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل
-         التوقف عن تنفيذ المشاريع الخدمية البسيطة والتعويض عنها بمشاريع إستراتيجية مثل مجمعات الماء العملاقة وشبكات الصرف الصحي ومتنزهات الألعاب والطرق والجسور والسكك المهمة  والاستفادة من وارداتها للتمويل الذاتي
-         تشجيع المحافظات والوزارات والهيئات بالاعتماد على وارداتها الذاتية من  بدلات  البيع  والإيجارات والضرائب والرسوم والمنشات الصناعية والزراعية والنقل والتجارة المحلية
-         تحريك عجلة القطاع الخاص بمختلف الميادين ليكون شريكا حقيقيا في بناء الاقتصاد والخدمات وفق معايير ضامنة
-         عقد الشراكات المصرفية الخاصة المحلية مع مصارف الدولة
-         عقد الشراكات المصرفية مع المصارف الدولية
-         تعديل قانون البنك المركزي العراقي واعتماد سياسة نقدية تتلائم مع السياسات المصرفية الدولية وبشكل مدروس
-         الحد من سلبية الربحية المصرفية المعتمدة حاليا عن طريق إعادة الفائض المصرفي من المصارف الفرعية إلى المصارف الرئيسة والتي تعطي فائدة بنسبة 20% لهذه المصارف الفرعية وهذا يشجع هذه المصارف على إعادة الأموال دون تشغيلها بالإقراض اوبيع السندات وغيرها
-         تشجيع الرأسمال المحلي والأجنبي على الاستثمار في القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والنقل والسكن  ليخفف العبء  عن  كاهل الدولة في صرف موازناتها السنوية على هذه القطاعات
-         وضع التشريعات والقوانين لكافة المؤسسات والمنظمات والأحزاب ووسائل الإعلام والوزارات لكي تمضي الدولة في عملية الاستقرار السياسي والأمني والتنظيمي
-         التعجيل في بناء المؤسسات الأمنية وطنيا ومهنيا وفنيا
-         إقامة التحالفات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع دول الجوار والدول العربية والأجنبية
-         إعادة النظر بمواد الدستور المختلف عليها من اجل تحقيق التوافق الوطني
-         مكافحة التلوث البيئي ومخلفات الحروب من ألغام ومواد غير متفجرة
-         وضع برنامج وطني لإصلاح المؤسسات التعليمية والتربوية والمناهج والقضاء على الأمية.
-         وضع برنامج وطني لمكافحة الفساد الإداري والمالي
-         إصدار قانون الضمان الاجتماعي للعاملين بالقطاع الخاص والمختلط لتشجيعهم على العمل بهذه القطاعات دون الاعتماد على الدولة بتوظيفهم
إن ماذكرناه من حلول نعتقد هي الأسس والأطر الحقيقية لبناء البلد وتحقيق تنمية شاملة تحقق طموحات المواطن وهذا لئيمكن تحقيقه على المدى القصير بل يحتاج وقتا وخططا ونوايا حسنة من الجميع إذا ما أريد للعراق أن يكون دولة متقدمة تنعم بالمكاسب المتحققة من التجربة الديمقراطية الحديثة وان يكون مصدر إشعاع  لا عتمة .